العوامل المساعدة على نجاح الدعوة الفردية
هناك عواملُ عدَّة إذا أخذ بها الداعي كانت سببًا في نجاح الدعوة الفردية، وأهمها:
1- الإخلاص لله تعالى
إن أيَّ عبادة من العبادات لابد لها- لكي تكون مقبولة- من شرطين أساسين:
أ- الإخلاص لله تعالى.
ب- المتابعة للرسول- صلى الله عليه وسلم.
فالداعية يجب عليه أن يبتغي بدعوته للأفراد والجماعات وجه الله تعالى، ويجب عليه أن يبتعد عن كل ما يقربه من الرياء والسمعة أو أن يكون له أتباع أو جماعة أو حزب. قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ (البينة: 5)، وقال تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ (الكهف: 11).
فإذا أخلص الداعية عمله لله، ورزق المدعو الاستقامة، فإن الله تعالى يكتب للداعية مثل أجر المدعو، ولا ينقص من أجره شيئًا. ففي الحديث الصحيح: "من دعا إلى هدًى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه غير أنه لا ينقص من أجورهم شيئًا" (النووي على مسلم 16/227).
2- صلة الداعية بالله تعالى
|
</TR>
إن صلة الداعية بالله تعالى من أهم الأسباب لنجاح الداعية في عمله، وهذه الصلة تكون بالتقرب إلى الله تعالى بجميع أصناف العبادة، خاصة الدعاء والتضرع بين يدي الله تعالى. ففي الحديث الصحيح: "الدعاء هو العبادة" (رواه أبو داود 2/76- 77؛ والترمذي5/211، 5/374- 375، 5/456؛ وابن ماجة 2/ 1258).
فالداعية إلى الله يخوض في معارك، كلما انتهت معركة نشبت أخرى، ولا يمكن أن ينتصر ما لم يكن ناصرًا لشرع الله. قال سبحانه:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد: 7)، وفي صحيح البخاري من حديث "أبي هريرة"- رضي الله عنه-: "أنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: يقول الله- عز وجل-: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إليَّ ممَّا افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمعُ به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه" (الفتح 11/34).
فلاح الداعية هو الصلة بالله- عز وجل- خاصة، في هذه الأزمنة التي تتحالف فيها قوى الشر على الإسلام والمسلمين؛ ولهذا كانت وصية الله تعالى للنبي- صلى الله عليه وسلم- في بداية الدعوة أن يكثر من الاتصال به، ومن التقرب إليه، فقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمْ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلاً﴾ (المزمل:1-2).
وهكذا أوصى النبي- صلى الله عليه وسلم- "ابن عباس- فقال له:"احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك" (تحفة الأحوذي 7/ 219)، وهذه الوصية ليست خاصة بـ"ابن عباس"؛ وإنما هي للأمة كلها إلى قيام الساعة.
ينبغي للداعية أن يحافظ على السُّنن ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وأن يحرص على إحيائها، ولا يستهين بسنة من هذه السنن، وإنه من جملة الفواقر التي أصيب بها المسلمون وجود فئة منهم يقسمون الدين إلى قشور ولباب، ويعنون بالقشور تلك السنن الثابتة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وليت الأمر يتوقف عند ذلك؛ بل الأدعى من ذلك هو أنهم يحتقرون من طبق تلك السنن.
3- العلم
إن العلم ضرورة شرعية خاصة للدعاة إلى الله، فالعلم بالنسبة لهم سلاح يدافعون به عن دين الله- عز وجل- ويدحضون به الشبهات التي تلقى من أعدائه، يجب على مَن تعلَّم أن يعمل بعلمه، وأن يدعو إليه؛ ولهذا قيل: "هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل".
ولهذا يكون علم الداعية شيئًا رئيسيًّا لتأثر المدعو، فإذا كانت قدرة الداعية العلمية محدودة- لأننا ذكرنا قبل أن الدعوة الفردية لا تحتاج إلى كثير من العلم- فإنه ينبغي للداعية أن يستخدم الوسائل المتاحة؛ كأن يهدي للمدعو كتابًا أو شريطًا مسموعًا أو مرئيًّا أو مجلة... إلخ.
وهذا ليس مبررًا لتقاعس الداعية عن طلب العلم؛ بل يجب عليه أن يتزود أكثر من العلم، وأن يجعل لنفسه وقتًا يتزود من العلم الشرعي، وأن يخالط العلماء.
4- التخطيط والتنظيم
بعض الدعاة إلى الله- ممن عندهم نشاط في المواعظ والخطب- يبذلون جهودًا كبيرة؛ ولكن هذه الجهود في الغالب لا تثمر؛ وذلك لفقدان التخطيط والتنظيم.
فالواجب على الداعية أن يركِّز على الأفراد الأكثر قابلية للدعوة، خاصة الذين يرجى من وراء دعوتهم نصرة دين الله- عز وجل.
وللداعية أسوة في رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حيث إنه- عليه الصلاة والسلام- لم تنته فترة الدعوة السرية في مكة إلا وقد دخلت الدعوة إلى كل القبائل المشهورة في مكة، فأسلم من كل عشيرة بعض أفرادها.
إن الدعوة تحتاج إلى بعض الأفراد الذين لديهم القدرة على القيادة والتخطيط، فيجب على الداعية أن يعمل جاهدًا على كسب هؤلاء الأفراد؛ لكي تستفيد منهم الدعوة، ولهذا كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حريصًا على إسلام "عمر بن الخطاب"، وكان يدعو الله أن يعز الإسلام بأحد العمرين، حتى قال "ابن مسعود"- رضي الله عنه- فيما رواه عنه "البخاري": "ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر".
5- لابد من تعرف الصفات الشخصية للأفراد
يجب على الداعية أن يتعرف على صفات المدعوين؛ إذ إن لكل فرد منهم صفات حسنة وصفات سيئة، وتختلف هذه الصفات من فرد إلى آخر.
فالداعية الناجح هو الذي يستطيع أن يحوِّل هذه الصفات إلى صفات خير تخدم الدعوة إلى الله، فمثلاً هناك من الناس من عنده قوة الإقناع قبل أن يهديه الله، كأن يكون من دعاة الأحزاب الهدامة، فيمكن صقل هذه الموهبة بعد هدايته، فيصير هذا الفرد من الدعاة المبرزين؛ ولهذا يقول نبينا- عليه الصلاة والسلام-:"النَّاس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا" (النووي على مسلم 16/185).
والأمثلة لهذا الجانب كثيرة، منها- على سبيل المثال- أن "عمر بن الخطاب"- رضي الله عنه- كان يتصف قبل إسلامه بالشجاعة، فلمَّا أسلم- رضي الله عنه- استفاد المسلمون من شجاعته حتى إنهم خرجوا وأعلنوا تحديهم للمشركين.
6- البدء بالأقربين
إن لنا في نبينا- عليه الصلاة والسلام- الأسوة الحسنة أمر ربه- تبارك وتعالى- أن ينذر عشيرته الأقربين فقال سبحانه: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ (الشعراء: 214).
وفي حديث عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: لما نزلت:﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾، قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا فاطمة ابنة محمد، يا صفية ابنة عبدالمطلب، يا بني عبدالمطلب، لا أملك لكم من الله شيئًا، سلوني من مالي ما شئتم" (النووي على مسلم 3/54).
وذكر صاحب (أسد الغابة) أنه لما أسلم "الطفيل بن عمرو الدوسي"- رضي الله عنه- قال لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إني امرؤٌ مطاع في قومي، وأنا راجع إليهم وأدعوهم إلى الإسلام، فلما رجع إلى قومه دعا أباه إلى الإسلام، فأسلم ثم دعا امرأته إلى الإسلام فأسلمت، والأمثلة لهذا كثيرة.
7- إظهار الاهتمام بكل شخص
إن من الدعاة إلى الله مَن إذا زار أخًا له أو وجده في أي مكان ما بشَّ في وجهه وعانقه بحرارة، ثم لا يُظهر اهتمامه بمن كان بجانب ذلك الأخ؛ وهو ما يحدث في نفوسهم شيئًا؛ لأنه غير مهتم بهم، وأنه إنما جاء لزيارة ذلك الأخ فحسب.
8- التدرج في الدعوة
يجب على الداعية أن لا يحاول تغيير المدعو دفعةً واحدةً؛ لأن ذلك مخالف لسنة الله ومخالف لمنهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهذا لا يمنع وجود القابلية عند بعض الأفراد على التحول دفعةً واحدةً، فمن كان عنده الاستعداد للتغيير دفعةً واحدةً دون أن يؤثر سلبيًّا على نفسه فلا يجوز التواني في ذلك.. أما من كان لا يقبل التحول إلا بالتدرج فيجب تقديم الأهم في دعوته؛ وذلك لأنه قد تؤثر سرعة التحول في حقه سلبيًّا فلربما عاد إلى جاهليته.
9- المتابعة
إن الدعوة الفردية تتطلب من الداعية جهدًا ليس بالقليل، خاصة في المدن الكبيرة.. فينبغي للداعية أن يهيئ نفسه حتى تعطي دعوته الثمرة المرجوة، فالمتابعة أمر مهم في الدعوة الفردية؛ وذلك نظرًا لأن كثيرًا من المدعوِّين يتأثرون بالدعوة، فيبدءون بالاستقامة، فإن لم يجدوا من الداعية التعهُّد فَتَرُوا؛ لأن البيئة التي يعيشون فيها لا تساعدهم على الاستقامة؛ بل تتحول إلى حرب شعواء ضد هذا العائد إلى الله.. فربما أحاط به قرناء السوء حتى يعيدوه إلى ما كان من الفساد والانحراف.
10- إيجاد البيئة الصالحة للمدعو
كما ذكرنا سابقًا فإن البيئة التي يعيشها المدعو لا تساعده على الاستقامة؛ لذلك لابد من إيجاد البيئة الصالحة له، فيَبعُد عن جلساء السوء، وينتقل إلى الجلساء الصالحين.. ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- ذكر رجلاً من بني إسرائيل قتل تسعة وتسعين نفسًا، ثم أتى راهبًا فسأله: هل لي من توبة؟ فإني قتلت تسعة وتسعين نفسًا، فقال له: ليس لك من توبة، فقتله، فأكمل به المائة.. ثم دُلَّ على عالم فسأله قائلاً: إني قتلت مائة نفس؛ فهل لي من توبة؟ فقال: نعم، وما يحول بينك وبين التوبة! انطلق إلى أرض كذا، كان بها أناسًا يعبدون الله تعالى، فاعبد الله معهم.. ونهاه عن أن يعود إلى أرضه؛ معللاً ذلك بأنها أرض سوء.
11- الاقتصاد في الموعظة
مما ينبغي على الداعية في حالة زيارته للمدعو أن لا تنتهي زيارته دون موعظة، وينبغي أن تكون هذه الموعظة مختصره ومركزة. ففي صحيح البخاري من حديث ابن مسعود أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يتخولهم في الموعظة كراهة السآمة عليهم، وعلى الداعية أن لا يُكثِر من الزيارة للمدعو، وإلا أصيب المدعو بالملَل والتضجر من الداعية، وخير الأمور أوسطها.
12- الالتزام بآداب الزيارة
يجب على الداعية أن يتقيد بآداب الزيارة فيختار الوقت المناسب، وذلك على حسب ظروف المدعو.. فلا يزور في حالة نوم المدعو، ولا في حالة تجهزه للذهاب إلى عمله مثلاً وهكذا، ومن الآداب أن لا يتدخل في الشئون الخاصة بالمدعو؛ كتقليب أوراقه مثلاً، أو سماع أشرطته، ومن الآداب أنه يطلب من المزور أن لا يتكلف في إكرامه حتى لا يستثقل، وهكذا..
13- القدوة الحسنة
يقول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ (الصف: 2، 3).
فهذا ذم لمن يأمر بالمعروف ولا يأتيه فإذا كان الداعية آمرًا للمدعو بأمر هو نفسه لا يفعله، أو ينهاه عن شيء ويفعله، فإن دعوته تبوء بالفشل؛ فلهذا يجب على الداعية أن يكون قدوة حسنة.
14- الهدية
|
</TR>
ثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"تهادوا تحابوا" (البيهقي في الكبرى 6/169؛ وانظر: إرواء الغليل 6/44).
نعم، إن الهدية تورث المحبة، ولها ذكرياتها الخاصة، فيجب على الداعية أن لا يبخل بشيء من الهدايا ولو كانت متواضعة، فإن الهدية عنوان المحبة.
15- التلطف والرفق بالمدعو
يقول الله عز وجل: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ (النحل: 125)، ويقول كذلك: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: 159).
وفي الصحيح أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه" (رواه مسلم رقم 2594)، ويقول أيضًا: "إن الله رفيق يحب الرفق" (البخاري 10/375؛ ومسلم رقم 2165).
فالداعية الناجح هو الذي يرفق بالمدعوين ويستخدم في دعوته الحكمة والموعظة الحسنة.
16- لا بأس من استعمال شيء من الدعابة والمزاح المباح
وذلك لإبعاد استثقال المدعو للداعية، فإن الداعية إذا كان مرحًا كان أدعى إلى حبه من المدعوين؛ ولكن من دون إفراط. فقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يستخدم بعض الدعابة والمزاح؛ لكنه إذا مزح لا يقول إلا حقًّا.
18- إنزال الناس منازلهم
إن من عوامل نجاح الدعوة أن ينزل الداعية كل إنسان منزلته، فمن كان من أهل المكانة والوجاهة أنزله المنزلة التي تليق به، ومن كان شيخًا للقبيلة أنزله منزله، وهكذا.. ومن أراد أن يسوي بين الناس في دعوته فيبوء بالفشل. فلقد روى مسلم في مقدمة صحيحه من حديث عائشة- رضي الله عنها- قالت: "أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن ننزل الناس منازلهم".
19- الاستمرار في تقويم المدعو
إن التقويم من الداعية للمدعوين أمر ضروري؛ إذ من خلاله يمكن أن يتعامل مع المدعوين بناء على ذلك التقويم.
20 - لا اعتبار للسوابق
من الناس من إذا أراد أن يقوِّم فردًا نظر ما قد سلف منه من زلات وأخطاء ولو قد تاب عنها، فيظل يذكر تلك السوابق للمدعو ويقرعه بها، وهذا خطأ محض؛ إذ إن التوبة تمحو ما قبلها، فلا داعي إذًا من ذكر العثرات والسقطات، فإذا أراد الداعية أن يكون تقويمه مثمرًا، فعليه بمعالجة حاضر المدعو لا ماضيه.
21- تنويع وسائل وأساليب الدعوة والتقويم
مما ينبغي للداعية أن ينوع أساليبه في الدعوة والتقويم؛ حتى لا يسبب ردة فعل عند المدعو، وكل بحسبه..
فمن الوسائل: النصح بالحكمة والموعظة الحسنة، وإخلاص النية لله، وأن يكون ذلك على انفراد.