حتى يستمر المكوك الفضائي في الانطلاق لمسافات ولزمن طويل , عليه أن يبذل كمية هائلة من الطاقة , الغريب أن معظم طاقة المكوك الفضائي ( وهي تساوي 7 ملايين وحدة) تستنزف – فقط – في الانطلاق بعيداً عن الجاذبية الأرضية , وهذا ما يستغرق ثماني دقائق ونصف , ثم يستكمل المكوك الفضائي رحلته الطويلة معتمدا على الطاقة التي بذلها في الانطلاق من البداية .
إن الدافع وقوته هي مقياس الاستمرارية وتحقيق الأهداف , وهو أيضا ذلك الشعورالقوي الذي يدفع بصاحبه بعزم لا يلين حتى يقهر كل عقبة تقف أمام تحقيق غايته , لا ينتظر إرشادات على الطريق عند كل خطوة يخطوها , و يعلم جيدا ما زاده على الطريق و لديه القدرة على البحث عن مقومات تحقيق هدفه.
فما بالنا وقد أوتينا من علوم التنمية البشرية وبناء الشخصية الشئ الغير يسير, نجد الضعف واليأس والتوقف في منتصف الطريق أصبح سمة في كثير من أبناء هذا الجيل .. هذا الجيل الذي يدرك أكثر من أجيال كثيرة مضت كيف السبيل لتحقيق أهدافه , وغاياته , لكنه أحياناً يقف عاجزا أمام ظروف و منغصات أو حتى تغير في طبيعة المرحلة التي يمر بها , ويضع شماعة تقصيره على المؤسسات التربوية ومنهجيتها في العمل .
إنهم يحتاجون إلى بداية قوية تدفعهم إلى مواصلة الطريق , بداية تكون هي القوة المحركة المنشطة والموجهة في وقت واحد , وهي تختلف عن الباعث و الحافز, فالباعث والحافز هو مؤثر خارجي إما انه يعمل على تحفيز الفرد على آداء عمل ما , أو من الممكن أن يكون نوع من المنغصات أو الظروف السلبية التي تبعثه على التباطوْ في تحقيق أهدافه , لذا على القائمين على العملية التربوية أن يقوموا بالتربية بتقوية الدافع ..وأن تكون الأهداف المراد تحقيقها نابعة من ذاتية الفرد ودافعيته , وليس على محفزات خارجية أو باعث يؤثر على آداؤه ..
ولأننا أحيانا تعاملنا مع عملية بناء الشخصية, وكأننا نريد تحقيق الأهداف وتعريفها وفقط , فقد أهملنا جزء هام وهو أن نولد الدافعية أولا
دعونا نتخيل فرد لديه من الدافع القوي الذي يجعله يستمر لتحقيق هدفه أيا كانت الظروف والمنغصات :
-سنجد الفرد الذي يحسن التصرف عندما تتغير معه الظروف , ويتابع تحقيق هدفه أيا كان.
-لن يقف عاجزاً امام أي عقبة ,فلديه من قوة الدافع ما يجعله قادرا على مواصلة الطريق.
-لن يكون تقصير من حوله هو شماعة تقصيره مع نفسه.
-يستطيع أن يتنبأ بالنواقص التي يريد أن يستكملها في نفسه وفي مجتمعه لتحقيق هدفه .
وانت يا من تقرأ هذه الكلمات ..ولد الدافع بنفسك ... فنحن في حاجة لمن يستمر بقوة وثبات على هذا الطريق... فالغاية صعبة المنال ..والطريق وعر لا يتحمل عقباته سوى من يشحذ همته عند كل منعطف... وكن كما قال الامام البنا عن نفسه : " أنا سائح يطلب الحقيقة، وإنسان يبحث عن مدلول الإنسانية بين الناس، ومواطن ينشد لوطنه الكرامة والحرية والاستقرار والحياة الطيبة في ظل الإسلام الحنيف.أنا متجرد أدرك سر وجوده، فنادى: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. هذا أنا.. فمن أنت؟"