هل تريدين أن تكوني داعية؟
أم تتمنين أن تكون لك بصمتك المتميزة في مسيرة الإصلاح؟!
إنّ أصل هذه المقالة هو عرض لمشكلة إحدى الأخوات، إذ أقرّت باهتمامها بأمر الدعوة ورجائها طرقه والدخول فيه، لكنها تواجه مشكلة في خشيتها من الظهور، وربما كانت محبة للمدح، وتتمنى المناسبات حتى تشارك فيها.. فتجنبت حتى لا تقع في الرياء!
قبل أن ندخل في العلاج علينا أن نحدد المشكلة بالضبط..
هل المشكلة هي في الظهور نفسه.. إذ ترين أنّه خطأ؟
أم أنّ الظهور هو وسيلتكِ لحصول المدح والشهرة.. إذ هما غايتاك؟
أمّ أنّ الظهور أصلاً قد صار بالنسبة لكِ غاية لا وسيلة؟
أسئلة تبدو أمام ناظرنا كأطياف.. تلحّ طالبة الدواء الشافي.. فهيا لنركب جوار التعاون المنشآت، نمخر بها عباب الجواب..
أولاً.. تأكدي أنّه الظهور بحدِّ ذاته ليس مشكلة!
فالظهور غالباً ما يكون لوجود شيء متميز فيكِ، وهنا عليكِ أن تفرحي وتحمدي الله على ما أتاكِ من فضله، ثم عليكِ استشعار وطأة العبء الملقى على عاتقكِ، والتكليف الذي أنيط بك حينما وهبكِ الله نعمة سيسألكِ عنها، وهل استعملتِها في طاعته، وهل جنّدتِها في سبيل نصرة دينه؟
مثلاً في الأدب الإسلامي، نحن نحتاج إلى وجود أدب إسلامي يكتسح ساحة الأدب العامة بقوة ويثبت وجوده، ودعيني أحدثكِ من تجربة شخصية، ولا ينبئك مثل خبير..
فأنا هاوية صغيرة أكتبُ الشعر والمقالة والقصة، بخطوات ما زالت تتعثر، وقد عرفتُ بهذا عند الكثير من معارفي، لكنني أحتاج من يمسك بيدي، ويشد عليها، ويرشدني، ويقوم اعوجاجي، ويوجه أفكاري نحو أدبٍ سليم يسمو عن غثاء الأدب الذي صار " قلة أدب ".. أرأيتِ؟
أنا أحتاج أشياء كثيرة الآن، ولو أغلقتُ فمي، وتقوقعت على نفسي لما تعلمتُ شيئاً، لكنني لم أفعل، فبدأتُ أشق طريقي في الجامعة، وذهلتُ حينما وجدتُ فرصاً رائعة من أستاذاتي في جميع الكليات وليس فقط كليتي.. حتى سعيت إلى استغلال هذه الفرص.. وشاركت في المسابقات، ونشرتُ قليلاً، بمتابعة جميلة جداً منهن..
فهل سيأتي شخص الآن ليقول لي: يجب أن تتمني أن لا تفوزي في المسابقة وأن تتمني ألاّ تنشر مشاركتكِ وعليكِ الصمت والانغلاق على نفسكِ؟
هل يُقبل هذا المنطق؟
بالطبع لا.. وإلا كيف أتعلم؟
وإذا تعلمتُ.. فلمن نترك الساحة؟!
وتأكدي أنّ الأمر ينطبق عليكِ تماماً، سواء كنتِ خطيبة مفوهة، أو منشدة عذبة الصوت، مؤثرة الأداء، أو شاعرة متألقة، أو منظمة محنكة، أو محاورة بارزة أو غير ذلك.. فهل من خطأ إذا طورتِ قدراتكِ.. وخضتِ لجج المناسبات لتكتسبي تجارباً قيمة تضيفينها إلى خبراتكِ في هذه الحياة القصيرة؟
هل هناك خطأ في هذا الظهور يا أختاه؟
ثانياً.. تأكدي.. تأكدي.. لا يمكن أن يكون الظهور بحدّ ذاته غاية!!
فلا يوجد إنسان يظهر حتى يظهر، بل لا بد من وجود دافع له، إمّا سبب صالح (دعوة، إرشاد، إدخال سرور، تعليم، تذكير، دعم الحق، تحقيق مصالح سامية للنفس أو للغير)، وإمّا غير ذلك ( طلب المدح، الشهرة ونحوه).
إذًا.. حددي هدفكِ.. هل هو فعلاً (المدح) كما تقولين؟
إن كان كذلك.. فكلّ الناس يحبّ أن يُثنى عليه لا أن ُيذم، والناس شهداء الله في أرضه، ولعلكِ تعرفين حديث الجنازة التي مرت عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأثنوا عليها خيراً فقال: وجبت، والأخرى التي أثنوا عليها شراً فقال: وجبت.. أما رأيته حين أجاب عمرَ -رضي الله عنه- حينما سأله: يا رسول الله، ما وجبت؟ فقال له: ( هذا أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً وجبت له النار).. ثم قال: ( أنتم شهداء الله في الأرض).
لكن..!!
أن يكون ذلك هماً وشغلاً شاغلاً وهدفاً يدفع الإنسان إلى أن يبحث عنه بحثاً، ويجري وراءه لهثاً، وتقصر من دون همته لأجل المدح همم الأشاوس!!
هنا يا عزيزتي.. سيحتاج الأمر إلى مراجعة مع نفسكِ..
وانظري.. هل تشعرين بنقص في جانب معين تريدين جبره بسماع المديح؟
لا.. لا يا صاحبتي.. فحري بمثلكِ ممن أوتيتَ شيئاً من تميز ساعد في إبرازها وإظهارها، أن تنسب الفضل لأهله: ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)، وأن تعلمي أنَّكِ بما أوتيتِ من لدن الرازق الوهاب أرفع من مجرد كلمتين يقولها الناس أمامكِ، فربما صدقوا وربما نافقوا، وربما أعطوكِ من طرف اللسان حلاوة، وهم بين جنبيهم قلوب تستعر حسداً يأكل حسناتهم، المسألة يا أختي أعظم من " ثرثرة " لا تضيف لكِ شيئاً سوى عجبٍ يكون بداية لتردّيكِ!!
ثم دعي قبس النبوة يفجر الأنوار تجلو ظلمات الدرب: ( احثوا في وجع المداحين التراب )!
وهكذا.. فالتميز له ضريبة، والظهور له ضريبة، وكلّ شيء بثمنه، ولا تستطيع استشعار ذلك العبء بصدق إلا من حملتْ الهمّ وارتقتْ في درجات الإيمان ونبذت الرياء والعجب، واستغفرت من خفّي الذنب، ومستور الزلل، وسألت الله أن يرزقها هدى وتقى وإخلاصاً.. نسأل الله أن نكون ذلك.. وأن يغفر لنا..
ثالثاً.. نصيحة يا أختي وإني لناصحة أمينة!!
لا تتمني المناسبات..!
فالمناسبات موجودة دائماً.. ومهما كثر ظهوركِ فيها؛ فهو لن يكون شيئاً مهماً ما لم يكن لكِ أثر فاعل فيها، يشعّ بنور السلامة وصفاء العقيدة وصحة المنهج..
واعلمي أنّ الأمر يرجع إلى النية دائماً، وبما أنّ الأعمال بالنيات، فلا أحد من الناس له شأن بنيتك، المهم هو نوع العطاء الذي تقدمينه، بمعنى أوضح.. المفترض أن يكون في ظهوركِ إضافة حقيقية نافعة (لكِ، للناس).. واعلمي أنّ من صدق مع الله صدق الله معه، وأنّ أمراً ابتدأ بالإخلاص فإنّ منتهاه القبول، ووالله لتجدين في نفسكِ بعد حين انصرافاً عن الظهور؛ فلا تلبث الدنيا إلا أن تأتيك راغمة، ولا تدرين بنفسكِ إلا وأنتِ تساقين سوقاً إلى مواقف وأحداث يتوهج فيها نجمكِ دون أن تسعي نحوها أو تبحثي عنها أو حتى تفكري بها.. وإنّ في ذلك لعبرة لأولي الألباب!
المصدر: موقع الإسلام اليوم