أسباب قيام الدول وأسباب هلاكها وانهيارها يتشابه تقريبا في كل زمان ومكان، فقوم (عاد) الذين تجبروا وبطشوا وكانوا القوة العظمى في الأرض حتى قالوا عن أنفسهم: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [سورة فصلت: 15]، فرد الرب عز وجل عليهم: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [سورة فصلت: 15]، ومرت الأيام والسنون فأهلكهم الله جلا وعلا وجعلهم عبرة لغيرهم ولم يبق منهم أحدا.
وقوم (فرعون) الذين طغوا في الأرض واستكبروا وجعلوا أهلها شيعا واستضعفوا الناس وكفروا بدين الله وحاربوا رسله، دعا عليهم موسى عليه السلام، وكان من دعائه أنه قال: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ} [سورة يونس: 88]، فاستجاب الله للمظلوم واخذ الظالم بعذابه: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ} [سورة الأعراف: 130] ثم لما تمادوا اغرقهم الرب عز وجل.
وكذلك (ثمود) وقوم (لوط) وأصحاب (الأيكة) وغيرهم وغيرهم الكثير ممن جاءتهم عقوبات إلهية بسبب ظلمهم وطغيانهم وفسادهم {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [سورة هود: 102].
إن ما يشهده العالم اليوم قد يكون مرحلة تاريخية تعتبر منعطفا خطيرا قد تعصف بأنظمة سياسية قائمة وتغير من ميزان القوى في الأرض خلال السنوات القادمة.
فمن كان يعيش على مأل بقاء (الإمبراطورية الأمريكية) لدهور طويلة فهو يعيش في حلم كاذب، بل هو كابوس مزعج لابد أن يفيق منه، فهذه الإمبراطورية التي بطشت في الأرض ردحا من الزمن، وتجبرت وطغت فلم تترك الضعفاء في فلسطين لعشرات السنين، وأهلكت الحرث والنسل في أفغانستان والعراق وغيرهما، وجثمت على صدور الضعفاء ونهبت الخيرات.
بل أن (الإمبراطورية الأمريكية) قطعت موارد الكثير من الجمعيات الخيرية الإغاثية، وجمدت أموالها وحرمت الملايين من الأيتام والفقراء والمساكين من المساعدات التي تصل اليهم، فيا الله كم من طفل مات جوعا، وكم من ضعيف مات بسبب منع المساعدات والإغاثات، فهل تضيع آنات الثكالى وصياح الجياع وبكاء اليتامى؟!
إن ما يحصل اليوم للإمبراطورية الأمريكية، ومن سار في ركبها بسبب جشعهم وأكلهم الربا أضعافا مضاعفة هو شيء قليل من حرب الله لهم {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} [سورة البقرة: 279]، وهذه (التريليونات) التي تبخرت هي حقيقة قول الله جل وعلا: {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا} [سورة البقرة: 276]، والأموال التي أنفقوها في حروبهم الخاسرة وفي سبيل سيطرتهم على خيرات الدول ومواردها هذه الأموال أخبر الرب عنها: {فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [سورة الأنفال: 36].